ترمب وإعادة رسم الخرائط- طموحات توسعية أمريكية وإسرائيلية جديدة؟
المؤلف: حسين شبكشي10.20.2025

في ذكرى زيارته التاريخية لكندا عام 1967، ألقى الرئيس الفرنسي الأسبق شارل ديغول خطاباً حماسياً في مدينة مونتريال الكندية، وتحديداً في مقاطعة كوبيك ذات الأغلبية الناطقة بالفرنسية. جملة واحدة مدوية هزت أرجاء المكان، حين هتف "عاشت كوبيك حرة"، لتوقد شرارة حركة استقلالية طال أمدها ولا تزال تداعياتها تلقي بظلالها على كندا حتى يومنا هذا. واليوم، يبدو أن الرئيس الأمريكي المنتخب آنذاك، دونالد ترامب، يسعى لاتباع نهج مماثل، ولكن على نطاق أوسع بكثير، وذلك بفتح الباب أمام إمكانية انضمام كندا كولاية جديدة إلى الولايات المتحدة الأمريكية.
وعلى الرغم من أن هذا المقترح "الترامبي" المتعلق بكندا قد يبدو ضرباً من الخيال الجامح، إلا أن هناك حججاً مقنعة، بحسب المؤيدين، تستدعي التمعن في هذا الاقتراح. في مقدمة هذه الحجج تأتي الاعتبارات الاقتصادية؛ فكندا تعتمد بشكل كبير على الولايات المتحدة، حيث تصدر ما يقرب من 90% من مواردها الطبيعية إلى السوق الأمريكية. إضافة إلى ذلك، تُعد الولايات المتحدة الأمريكية عملياً بمثابة الجيش الذي يحمي كندا، فضلاً عن الروابط الاجتماعية والثقافية الوثيقة التي تربط البلدين.
ولم تقتصر طموحات ترامب التوسعية على كندا فحسب، بل امتدت لتشمل منطقة جرينلاند التابعة للدنمارك، والتي تتمتع بنوع من الحكم الذاتي لسكانها البالغ عددهم حوالي 45 ألف نسمة. ويرى ترامب أن ضم هذه المنطقة يمثل مسألة حيوية للأمن القومي الأمريكي، وذلك بالنظر إلى الأطماع المتزايدة للصين وروسيا فيها. وعلى الرغم من حساسية الموضوع، لم تبد الدنمارك ولا سلطات جرينلاند معارضة مبدئية لهذا الاقتراح.
ولم تتوقف رغبة ترامب في التوسع الجغرافي عند هذا الحد، بل امتدت لتشمل قناة بنما، التي بنتها الولايات المتحدة الأمريكية في الماضي. واليوم، يخشى ترامب من تنامي النفوذ الصيني على القناة، ويسعى بالتالي لاستعادة السيطرة الأمريكية عليها، وذلك على الرغم من المعارضة الشديدة من حكومة بنما نفسها.
ولا تقتصر مساعي تغيير الجغرافيا وإعادة رسم الخرائط على الولايات المتحدة الأمريكية وحدها، بل تنخرط فيها أيضاً إسرائيل، التي تأسست على نهج تغيير الجغرافيا المستمر، تارة بحجة "الوعد الإلهي" في التوراة، وتارة أخرى بحجة "الأمن والدفاع". وتسعى إسرائيل جاهدة لتكريس أمر واقع جغرافي جديد على الأرض.
وبعد أن قامت إسرائيل باقتطاع مساحات شاسعة من أراضي الضفة الغربية الفلسطينية لصالح ميليشيات إرهابية تابعة للمستوطنين، فإنها تسعى اليوم لاقتطاع مناطق من لبنان وسورية تحت ذريعة "الأمن القومي الاستراتيجي". ولا تتردد إسرائيل في نشر خرائط جغرافية مريبة وخبيثة، تظهر توسعاً هائلاً يضم أراضي واسعة من دول عربية مختلفة.
وبطبيعة الحال، لا يمكن إغفال التغييرات المرتقبة في خرائط أوكرانيا وروسيا، والتي من المرجح أن تفضي وساطة دونالد ترامب المنتظرة إلى وقف إطلاق النار بينهما، والاعتراف بالواقع الجديد الذي يتضمن ضم بعض المناطق الأوكرانية لصالح روسيا.
ويقول الكاتب الأمريكي الشهير تيم مارشال، مؤلف كتاب "سجناء الجغرافيا"، إن اتفاقية سايكس بيكو قد تحطمت بالفعل، وإن إعادتها مرة أخرى، حتى وإن كان ذلك بشكل جديد ومختلف، سيكون أمراً مكلفاً ودموياً للغاية. إن زمن تغيير الجغرافيا وإعادة رسم الخرائط قد عاد بقوة.
